الأقتصاد المصري يعيد السنة
الأقتصاد المصري يعيد السنة
بعد مرور 8 اشهر على بدء في تنفيذ برنامج أصلاح الأقتصاد المصري الثاني بالتعاون مع صندوق النقد الدولي دعنا عزيزي القارئ نتوقف وقفة للتقييم.
التاريخ يعيد نفسه!
ان المتابع لحالة الأقتصاد المصري ، يزيد ايمانا بمقولة “ان التاريخ يعيد نفسه”. فالوضع الحالي مشابة إلى حد كبير مع الحالة الاقتصادبه في نهاية الثمانينات و بداية التسعينات. و هي الفترة التي شهدت برنامج الأصلاح الاقتصادي الأول.
على الرغم من مرور اكثر من خمسة و عشرين عاما على اتفاق برنامج اصلاح الأقتصاد المصري الأول بالتعاون مع البنك الدولي في التسعينات ما زال اللأقتصاد المصري يعاني من مشاكله الرباعيه المزمنه. فجوة ضخمة ما بين الإنتاج و الأستهلاك ، فجوة ما بين الأستثمار و الإدخار (او بالاصح تفعيل المدخرات) ، خلل ما بين الصادرات والواردات، عجز في الموازنة العامة.
ربما تغيرت بعض أجزاء الصورة ما بين البرنامج الأول و لاثاني كنضوج المؤسسات و النظم المالية. ضبط كبير لمعدلات المديونية الخارجية في التجربة الأولى على عكس ارتفاع مطرد في التجربه الثانية. و لكن على الرغم من مرور اكثر من عشرين سنة على البرنامج الأول، فإن الشئ الذي لم يتغير هو روشتتة البنك الدولي التي احتفظت بجميع ملامحها الاساسية مع بعض الرتوش الاجتماعية. خفض عجز الموازنة من خلال رفع اسعار الضرائب على الاستهلاك و تخفيض الانفاق العام مع التركيز على بنود الدعم ، تحرير سعر الصرف ، مقاومة الآثار التضخمية من خلال رفع سعر الفائدة.
ربما كان التغيير الأوضح في البرنامج الثاني عن البرنامج الحالي هو التركيز على تخفيف أعباء البرنامج على الطبقات الأقل حظا من خلال برامج الدعم الاجتماعي، و لكن الجوانب الأساسية للبرنامج لم تتغير فمن ضريبة المبيعات في التسعينات إلى ضريبة القيمة المضاقة مؤخرا، و من رفع سعر الفائدة في التسعيات إلى حدود العشرين في المائة إلى الرفع الحالي الذي تجاوز العشرين في المائة. و اتفاق تام ما بين البرنامجين بالرفع التدريجي للدعم عن الطاقة و ان كانت وتيرة رفع الدعم في البرنامج الثاني اعلى سرعة و حدة. ان التشابة ما بين البرنامجين يجعل الأمر يبدو و كاننا نعود بعربة الزمن الأقتصادية او ان العربه تدور في نفس الدائرة.
الأشارات الأولى
ارتفاع معدلات التضخم
شهدت الشهور الثماني السابقة تسارع كبير في وتيرة التضخم الناجم عن صدمة التعويم ليصل لأرقام تتجاوز الثلاثين في المائة، بدفع من انخفاض سعر الجنية و الارتفاعات المتواليه في أسعار الطاقة، وزيادة الضرائب على الإستهلاك. و لكن يمكننا القول ان السوق قد استوعب الصدمة الخاصة بسعر الصرف، و ان هناك حالة من إعادة التقدير للأسعار Readjustment في بعض السلع مثل السيارات، وذلك بعد تجاوز المبالغات الأولية للصدمة. و يظهر ذلك في تراجع معدلات التسارع في التضخم.
انخفاض في توقعات النمو
أدت تلك العوامل إلى تراجع النتائج المتوقعة للنمو إلى أقل من 4%. و تسود الأسواق حالة من الركود الحذر. عمد البنك المركزي لرفع سعر الفائدة لمواجهة معدلات التضخم – و هى الأعلى منذ اربعينات القرن السابق – إلى مستويات عالية جدا، تضيف المزيد من الضغوط على التوسعات الإستثماريه و مشتريات السلع المعمرة، وتزيد من أعباء الدين العام.
إشارات ايجابيه
على الجانب الآخر هناك عدة إشارات إيجابية تتمثل في ثقة الأسواق العالمية في أدوات الدين المصري القصيرة الأجل و الطويلة الأجل. تحرك جيد فيما يتعلق بقانون الاستثمار الجديد.تزايد في معدلات الاسثمار المباشر. بالإضافة إلى تراجع في عجز الميزان التجاري كنتيجة لإرتفاع ارقام الصادرات و تراجع النمو في الواردات.
اقتصاد و اعد و أسئلة خاطئة…
و لكن السؤال الأكثر الحاحا ما الذي يجعل عجلات الأقتصاد المصري تدور إلى الخلف ، تمر من جانبة اقتصاديات عديدة بسرعة إلى معدلات مرتفعة من النمو و ارتفاع مستوى المعيشة و يدور هو في نفس الدائرة المغلقه. ان مشكلة الإدارات المختلفة للاقتصاد المصري هي الجهود المستمرة في الحصول على الإجابة الصحيحه على مجموعة من الأسئلة الخاطئة .
السؤال الأول؟
دائما ما يتردد السؤال عن كيفية تخفيض الإستهلاك (و الذي يقترب من 85% من اجمالي الناتج المحلي الإجمالي)،و ذلك كحل لتقليص الفجوة ما بين الإنتاج و الاستهلاك، بينما السؤال الصحيح هو كيفية تسويق السوق المصري الضخم ( رقم 25 على مستوى العالم تبعا لتقرير التنافسية الدولية Global Competitive Index) كسوق واعد للاستثمار يمثل قوه شرائيه مغريه للإستثمار.
السؤال الثاني؟ الأقتصاد المصري يعيد السنة
كيف نخفض المصاريف الحكومية؟ و تصب الإجابات في النهاية في خانة ترشيد الدعم، بينما السؤال الصحيح هو كيف يمكن ان نرفع الإيرادات الحكومية من خلال رفع كفاءة منظومة الضرائب و توسيع المجتمع الضريبي؟ في الأقتصاد المصري تشير بعض التقديرات ان القطاع غير الرسمي به قد تتجاوز نسبته السبعين في المائه.
السؤال الثالث؟
كيف نقوم بإعادة توزيع الدخل حتى نقلل الفروقات في الدخول؟ و السؤال الصحيح هو كيف نزيد من الدخل و ليس أعادة توزيعه؟ فالمؤشرات الحاصة بالبنك الدولي (Gini Coefficient) تشير إلى ان توزيع الدخل في مصر افضل من توزيع الدخل في الولايات المتحدة فالعشرون في المائة الأفقر في الولايات المتحدة يحصلون على نسبة تقل عن 5% من الدخول و بالتالي الإستهلاك، بينما ال 20% الافقر في مصر يتسهلكون اكثر من 10% من إجمالي الاستهلاك.
و حتى لو افترضنا العدالة المطلفة في التوزيع فإن دخل الفرد السنوي لن يزيد عن 3428 دولار و هو اقل من 6% من دخل المواطن الامريكي و الذي بلغ في المتوسط $57,300. ليس معنى ذلك ان الطبقات الفقيره في مصر هي طبقات محظوظة و لكن ما اقصده ان الإجابة ليست في إعادة التوزيع و لكن في التكين الاقتصادي ، من خلال تحسين خدمات التعليم و الصحة.
السؤال الرابع؟
كيف يمكن زيادة الإنتاج الزراعي و الصناعي و هو سؤال جيد و لكن يتجاهل القطاع الخدمي و خاصة في مجال تكنولوجيا المعلومات و هو القطاع الأعلى تشغيلا و الأعلى عائدا، و قابلية للتصدير.
كيف يمكن فرض رقابة محكمة على الأسعار؟ بينما السؤال يجب ان يكون كيف يمكن زيادة التنافسيه و اطلاق القدرات الإنتاجية و تحسين العمليات التجاريه.
أخيرا… الأقتصاد المصري يعيد السنة
الأقتصاد المصري اقتصاد واعد متخم بالفرصـ يقيده أداء حكومي يفتقر إلى الحيوية ، و يتطلب إعادة لأوليات الانفاق. فالسوق المصري سوق ناشئ غير مشبع إلى حد كبير في معظم القطاعات، مما يجعل عوائد الإستثمار في مصر عالية مقارنة بقريناتها في الاقتصاديات المتقدمة . كما ان الموقع العبقري لمصر ما زال ميزة تنافسبة كبيرة لم يتم استغلالها.
و لكنه اقتصاد يحتاج إلى أسئلة جديدة للحصول على انطلاقة جديدة….
د. جمال هيكل
المستشار الإداري و أستاذ الاقتصاد المالي
Tag:Finance